سيارتي و راهب التكنولوجيا.

جلس ثم قال: اغفر لي ضيق الوقت، فكل ما لدي الآن ساعة.

قلت: ساعة تكفي. دعنا ندخل في صلب الموضوع، ما الذي جعلك تهجر وظيفتك و قد تخرجت من أرقى الجامعات بالولايات المتحدة، إلى الجبال و الكهوف إلى دير “النمر” لأربع سنين في بوتان ثم تعود لأكبر شركات التكنولوجيا و أشهرها؟

ضحك فقال: أردت أن أفهم هذا الشخص الماثل أمامك. سألت نفسي: من أنا؟

و هل فهمت؟

إلى حد ما، فالحياة تعري المرء من كل ما يستر به نفسه من كمال حتى يرى نفسه بكل عيوبه. عندها فقط تتعرف على نفسك، و لك أن تقبلها حينها أو ترفضها.

تبدو لي كتلك الشخصية في كتاب بعنوان ” الراهب الذي باع الفيراري”

طفق يضحك: ذاك الكتاب جيد لا شك! من المفارقات أني تخرجت بشهادة لممارسة المحامة من نفس الجامعة و عملت بنفس المدينة حتى خيل لي أن الكاتب اطلع على حياتي، فأراد أن ينشرها للجميع!

فما كانت أكثر التجارب نفعاً لك؟

قصدت أحد الرهبان و قد أشتهر بحكمته، قطعت أكثر من جبل حتى وصلت إليه. جلست أياماً عديدة أرقبه، حتى إذا سألته: أي الأشياء أهم؟

أجاب و هو ينكت في الأرض قائلاً: الآن.

قلت: لا أعني زماناً بذاته. رفع رأسه نظر إلي و قد بدت أسنانه البيضاء قائلا بتعجب:الآن!

 

ماذا عنك؟

أمعنت النظر فيه، يتفق أحياناً أن كثيراً ممن يتحدثون إليك يهربون بأعينهم بين الفينة و الأخرى و قد مرّنت نفسي على أن أمعن النظر حتى في أكثر اللحظات حرجاً في وجه من أحدث، فلم يشح بنظره حتى سئل: ما خير المواقف لك؟

أي موقف لا اكترث له و لا أبالي بعواقبه، تلك أقوى مرتبة و خيرها.

هلّا وضحت؟

بكل سرور، نحن الآن نجلس في مطعم فاخر بعض الشيء لكن إذا صادف و أن كان نصيبنا من السماء أن نأكل الخبز فقط فلن أمانع إطلاقاً و لن أكترث متى ما تبدل الجوع شبعاً سواءً بالخبز أو باللحم.

غريب.. تقود مثل تلك السيارة و تزهد في الطعام؟

هب أني استطعت شراء ما هو أثمن من تلك السيارة، فلم أفعل ألا يعني ذلك حبي للمال نوعاً ما؟ لا أمانع ركوب غيرها إذا احتجت لذلك، هذه هي اللامبالاة التي أشير إليها. و لا يعني ذلك أن تفني مالك كله في شراء مقتنيات، لأنك حينها تحب هذه الأشياء أكثر من مالك. التوسط خير و عدم المبالاة بكلا الطرفين قوة. مثال آخر، ما يقع للمرء من مصائب في هذه الحياة إنما هي حوادث عابرة و ردة فعلك تمثل حجم المصيبة و عظمها كما علل ذلك عدة علماء من المسلمين.

ابتسم، قائلاً :أمر شيق! 

لكن أتستطيع أن تعمم هذه النظرة على البشر دون أن توصم بالأنانية؟

“إطلاقاً” أجبت في عجل! الكثير من الناس ينسى أنه يعيش مرةً واحدة فيذيب ذاته إرضاءً لغيره خشية أن يصفه أحدهم بالأناني، و حب النفس شيء و الأنانية شيء آخر.

دعنا نعود للسيارة، فهي تمثل جانباً منك.

حباً و كرامة. نختلف عنكم، أنتم لا تذكرون متى لم تعيشوا بدون السيارات أو وسائل المواصلات الأخرى، و بيننا من يسرد كيف كانت الدنيا بدون هذه الأمور التي سهلت الكثير و عقدت الكثير أيضا!  لكن يجول بخاطرنا بين الفينة و الأخرى أن نحمد الله على ما نحن عليه.

فما أنتم فاعلون إن اضررتم للعيش بدونها؟

ننظر للسماء كما فعل أجدادنا من قبل. نهتدي بالنجوم، و نستعين بالقيوم.  

غريب، لم أتصور وجود شاب بقناعاتك هنا، أعذرني فالصورة النمطية عن من يقطن هذا الجزء من العالم تتسم بالمادية.

ابتسمت و قد عذرت الرجل نوعاً ما لبعض الأنماط التي نصدرها كل صيف للعالم، هل تثير تلكم الأنماط إلا مشاعراً تتذبذب بين الحقد و الحسد في عيون من يراها؟

“هيا..”قلت منتبهاً، فقد انتهت الساعة و لن آخذ من وقتك المزيد.

 

 

 

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات