عرض مسرحي.

أشاهده يومياً، من خلال عرضين، في عرض النهار يلبس الأصفر و في عرض المساء يلبس الأزرق. الإسفلت مسرحه و السماء سقفه يمسك بعصاتين و ما أن تقع عيناه علي، حتى يتمايل بعصاتيه بكل رشاقة في حركات من اليمين إلى الشمال كأنه  بندول ساعة، و بأشكال نصف دائرية، ينظر للأسفل لكنه يلمحني بين الفينة و الأخرى. غالباً ما أكون بالسيارة، استمع إلى الأناشيد و الأوبرا لكن حركاته جميعها تتناسق و ما أسمع. يبدو منهمكا في ذلك العرض، حتى يندي جبينه و يقف بجانب نافذة السيارة ثم يقف فينظر لي بانكسار و هو قائل: اسسسلام عليكم شيخ..

يكاد الطرب يقتلني، فأعطيه بكل طيبة نفس ما جادت به يميني و جيبي. ثم أحس بأني من الأولياء و الأبدال. فخور أنا بصدقتي! نعم أنا أعطيه لأنه أجاد عمله، لأنه أتقن فأحسن. ثم أغادر المحطة، و أشكر عامل النظافة، أتلذذ بقهوتي فجأة أقف: لأراه في المرآة الجانبية يقوم بنفس العرض لصاحب غترة أخرى، يجول هاجس في خاطري: هل حقاً لمست مكنسته الأرض؟ و هل هذه القمامة الملقاة التي مررت بها ألقيت أثناء قدومه نحوي؟ أم أنه ليم يلتفت إليها و لم يهتم بوقوعها؟ رباه هل صيّرناه شحاذاً بصدقاتنا؟

لا لا.. مستحيل، و أعود مرةً أخرى في الغد لأطالعه يقبل علي بالأصفر أو الأزرق من الثياب في تلكم الحركات.. 

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. وضحـى

    2011/12/29 - 06:42 م

    أحبَبتُ ما قرأت…

    أمر بنفس هذا الموقف كل يوم -تقريباً-. مع عامل النظافة في الحَيّ الذي يحرص على تواجده أمام عتبة المنزل وقت ذهابي للجامعة!

    غريبٌ أمره… :)

  2. نوال

    2011/12/29 - 11:14 م

    السلام عليكم

    تحياتي على الأسلوب البارع الذي جعل من الموقف العادي البسيط مشهدا مسرحيا فيه الاعتناء بأدق التفاصيل وتسليط للضوء على مشاعر تصاحب حالات إنسانية تلقائية..

    سررت بالتعرف على هذه المدونة

  3. الجبان (بالمصري)

    2011/12/30 - 11:13 م

    أبدعت
    وحركت مشاعري

    أتخيل نفسي مكانه

    أن يكون هذا الاستعراض آخر حيلي

    أن أذل نفسي لكيلا يضطر أبنائي (الذين يعيشون في الجهة الأخرى من العالم) لفعل ما أفعل

    كم لحظة قضى هذا الرجل في تخيل أن تصل الرحمة بأحدهم بأن يضع يده في جيبه فيخرج شيئا يغير حياته ويعيده إلى أهله عزيزاً !

    جزاك الله خير على ما أعطيته وما كتبته

  4. عامل النظافة – تدوين

    2012/01/04 - 07:44 ص

    […] ديسمبر، 2011 بأسلوب أدبي راق يصف رائد في مدونته كلمتكم مشهدا من مشاهد الحياة اليومية. عامل النظافة […]

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات