مجالس و مدارس.
 
جلست ذات يوم و صحب لي من بني جيلي، و أثير نقاش حول ما ننشد لأبنائنا من خير، أليس كل فرد منا مثلا يطمح بأن يتقلد أبناءه المناصب؟ 
 
فذهب قوم بأن المسألة أبسط مما عقده الكثير من الآباء  – خله في المجلس- علمه السنع، خله يختلط بالناس و يروح الشارع: يضرب و يُضرب، يظلم و يُظلم حينها سيصبح رجلاً و عندها دعه “يخاوي” أصحاب القرار فيكون معهم في حلهم و ترحالهم، و فالك طيب! سنّع قهوتك، طيّب مجلسك، زهب سيفك لسماع خبر تقليد ابنك المنصب و  أنشد: و اليوم يوم السعد..
 
 
و ذهبت طائفة أخرى، بأن الحال تغير و أصبحنا مطالبين و أبنائنا بالعطاء العلمي، و الامتياز المهني و الإتقان، تلكم الخصال التي يعول عليها القادة لتحقيق رؤيتهم. ينبغي للأبناء أن يشبوا منذ الصغر على الامتياز العلمي لأن لكل مجتهد نصيب و “الزين يفرض نفسه”. لن تعدم ألف نديم، و لكن أن تجد من يجود بنفسه و وقته لخدمة بلده و يعني بالمسؤولية التي تترتب على تقلد هذا المنصب. بكل تأكيد هذا هو ما يبحث عنه القادة. يريد القادة اليوم جيلا يمثلهم في المحافل الدولية، يفخر به و يزيد في مجده لا يتشدق بمجد من مضى قبله.
 
 
و ذهبت أنا للخلط بين نهج الإثنين و الجمع بين مذهب الفرقتين، فالصبية يحتاجون لحمل الفنجال و مسك القلم، لاستخدام الحاسب و نصب الخيام في الرحلات. ذاكم أن اختيار المرء مرآة عقله فلا يعقل أن يختار القادة من فتح مجلسه و أغلق عقله حتى يقال: قد إختاروا صاحب بلادة! و لا يعقل أيضاً أن يختار من مسك القلم طيلة الوقت و لما يمسك الفنجال ليسمع من الناس حتى يقال: قد إختاروا من أوصد بابه و فتح حسابه! فالتوسط خير، و ليكن الأبناء مهنيون و أصحاب مجلس في ذات الوقت. و كما قال طرفة في معلقته مع التحفظ على المثال :
 
 
فَإن تَبغِنـي فِي حَلْقَةِ القَوْمِ تَلْقِنِـي **وَإِنْ تَلْتَمِسْنِـي فِي الحَوَانِيْتِ تَصْطَدِ
 
 
فليجدوهم في المقناص و في رحلات العمل على السواء، و ليسمعوهم ينشدون الشعر و يتكلمون في الإقتصاد.
 
لكن أحسب أن كل منا ظل على قناعته و سيبقى بعضنا  “راعين مجلس” و آخرون “عيال مدارس” و سنراهن جميعنا على صحة تصورنا للطريق الأصح و الأقصر و الأسلم نحو المجد، سنراهن في كل يوم يقوم فلذات أكبادنا بتوجيب الرجال أو حل الواجب. بقي في النفس شيء، سواء كنا هنا أو هناك فنحن بشر نظمأ و نجوع ، لذا أتمنى من أحد أن يطلعنا: من أين تؤكل الكتف؟ 
FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. a77med

    2011/12/01 - 09:23 ص

    الواقع يفرض صحة رأي الفريق الأول وإن كان للفريق الثاني شيء من النصيب. المزج المثالي بين الاثنين في ظل واقعنا التعليمي والاجتماعي فيه صعوبة الا اذا كان لك حظ من دعوة صادقة من الوالدة.

  2. راشد الكواري

    2011/12/01 - 11:27 ص

    للأسف اصحاب المجالس حالياً لا زالوا اول المستفيدين ونظام العصابات والتحزبات موجود في كل مكان يمكن تصوره وكل وسط تقريباً .. الظاهر انها ثقافة عامة

  3. بومنيف

    2011/12/01 - 05:27 م

     أوافقك الرأي تماماً يا بومنيرة
    كما تعلم، العلماء يشترطون في المفتي: العلم بالشريعة والعلم بأحوال الناس ليستطيع إنزال أحكام الشريعة على واقع الناس بشكل صحيح.
    فالمنشغل بمكتبته دون الناس لا يصلح للفتوى ومِثلُه المنشغل بمخالطة الناس عن العلم.
    وأتصور أن هذا ينطبق كل صاحب علم يريد خدمة الناس به.
    أشكرك على مشاركة الكلمات اللطيفة الخفيفة معي :)

  4. عائشة

    2011/12/01 - 05:44 م

    همم… أفكر كيف يطبق ما ذكر على النساء، وأسترجع حضوري لعدد من المجالس النسائية، ولا أجد الاطار يتوسع عن (وظيفة زينة وراتب زين). مثير للاهتمام!!

  5. Aseel

    2011/12/03 - 05:42 ص

    هناك مقولة متداولة بين المخضرمين ( التاريخ يعيد نفسه)!

    من هم أصحاب المراكز والقيادات حالياً؟
    أتعتقد أن أصحاب المراكز والقيادات في هذا الزمان من فئة “عم ذهب” أو من أصحاب ” السيد محظوظ”؟
    نسأل الله أن يجيرنا من أن نكون على شاكلة “بطوط” !!

    باختصار:
    ( لمن أراد توقع المستبقل! عليه بأخذ جولة سريعة في الماضي)

  6. Mariam

    2011/12/03 - 10:02 ص

    أوافق من وافق على وجوب الجمع بين النهجين؛ طلب المجالس و المدارس معاً.

    وهذا ما بدأنا نراه في الواقع. فأصحاب المجالس أصبحوا من عيال المدارس، و عيال المدارس فتحوا مجالسهم. واصبحت المنافسة بين الفئتين شديدة.

    ولكن المناصب هي لأصحاب المجالس. فالمنصب بشكل عام يتطلب فن المجلس من رحابة صدر وطول بال و إلمام عام بالمجتمع ومن فيه ومافيه. وله أن يحيط نفسه بمن يشور عليه فيما يختص بتفاصيل العلم والكتاب. وأن فشل في ذلك، فالله المستعان!

    لست أقول أنه “الأحق”، ولكنه في الواقع يقدم على صاحب العلم. فمهم جدا أن يكون صاحب المنصب قريب من الناس يستمع منهم وهم إليه. وصاحبنا، صاحب العلم، عنيد بطبعه. دليل ذلك ما وصل إليه من العلم بالمثابرة والعناد(الجيد). ولكن المناصب بشكل عام لا تسعى خلف أحد. وصاحب العلم يظن أنه بعلمه استحقها. وهذا قصر نظر.

    وبذلك عدنا إلى نقطة البداية. الجمع بين الاثنين، مع التحفظات (إن كانت الغاية هي المنصب)!

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات