جيمس الحافي

 الزمان: العام 1998

المكان: أوستن، تكساس. (منبع النشامى)

كيف وصلت هنا؟  تبدو الإجابة سهلة ما دامت متعلقة بمكان لا زمان. أنا واقف في محل للوجبات السريعة بولاية تكساس، في العاصمة أوستن انتظر ما دفعت له، أين هي العمارات المصنوعة من الهامبرغر كما أخبرني و حدثني بها خوالي الذين سبقونا بالإيمان و بلاد الأمريكان؟ “لن تضطر لدفع المال للحصول على الهامبرغر في تلكم البلاد” هكذا كان يقال لي من عام لعام أمام ما أسمع كلما تسنى لهؤلاء الأبطال الرجوع لزيارتنا.

أقول أبطال لأن الشاب الخليجي المبتعث لأمريكا في حقبة الثمانينات كان بطل يذهب للمجهول ثم يعود منه. بطل لكل صغير و حلم لكل فتاة. لو كذب آنها من يستطيع تفنيد كذبه؟ و ما عساه فاعلاً إذ لا وجود للإنترنت؟ لذا حين كان الواحد منهم يحدثني عن عمارة هامبرغرية بها طابق بأسره من الجبن و من بعده طابق لحم، لم أملك إلا التصديق… هذي أمريكا يا بابا!

إذاً ما الذي كنت أفعله هنا في هذه الساعة المتأخرة و أنا أطلب الهامبرغر كباقي سكان دول الخليج في أي مدينة؟ لكن لحظة لم تتم الإجابة عن السؤال الذي طرحته على نفسي للتو؟ ما الذي أوصلني هنا و بجانبي “جيمس” كما يدعو نفسه؟ جيمس الحافي؟ إذ لا ينتعل أي شيء أجلكم الله!و الغريب أنني كنت انتظر معه لأننا طلبنا سوية ، و أبادله النظرات و على وجهي تلك الابتسامة البلهاء التي أطلقها في وجه من لا أعرف. 

كيف وصلت للتحدث معه بكل أريحية؟ دعوني أشرح لكم كيف وصلت. كنت كأي طالب جامعي منقطع عن أهله، أعيش حالة فوضوية حيث يحكمني الجسد، و بما أن أمريكا بلاد تغلب فيها الشهوات عن الشبهات (على عكس الدول الإسلامية) فالمحلات هناك مفتوحة على مصرعيها على مدار الساعة لتلبية احتياجات الجسد، و قررت أنا ضمن فوضويين آخرين أن نذهب لمطعم وجبات سريعة إسمه :

Jack in the Box

و تترجم إلى العربية:

جاسم في الصندوق.

كان الوقت يتجاوز منتصف الليل، و قد عدم المطعم أي زبائن عدى نحن و اثنين كان كل منهما يأكل على حدة،و بما أننا أسهبنا في المواضيع التي يسهب فيها أي تجمع شبابي ” نساء،جن، سياسة” فإننا كنا و لا شك المتسببين في تساؤل بعض الموظفين “ما الذي فعلت في حياتي كي استحق كل هذا؟” كان الصراخ عالياً (بلغ إلى درجة عدم سماع من بجانبك ما تريد منه لتصرخ :كجب كجب! هل أنت أعمى؟) ثم ذهبت للبحث عن مزيد من الكجب، و إذ به يدخل! مشرد تأويه الشوارع، أشعث أغبر أشقر عيناه خضراوان لحيته تدل عى عدم مبالاته، حاف القدمين، ممزق بنطاله مرقع قميصه ،و كذا معطفه. يبدو في الخامسة و الثلاثين من عمره، لكن زد على هذا الكثير من الشقاء و التشرد  ليصبح و كأنه في الخمسين من عمره.

 نظر إلي قائلاً : هل تملك ما تستطيع أن تستغني عنه؟

راق لي تعبيره،” هل أملك ما استطيع الاستغناء عنه؟” لأنه لو وجد هذا الشيء الذي أملكه و لا استطيع الاستغناء عنه فهذا شيء يملكني و لا أملكه. ثم إني نصبت نفسي حينها مسؤول عن حياته الآخروية  سألته: فيم تصرف ما أعطيك؟

سأشتري ما آكله.

و ما الذي يضمن لي أنك لن تشتري به جعة؟ (جعة؟ جعة هذه من المفردات  التي أبقي عليها لمجرد العلم بالشيء لا قناعتي به مثل بذة، أو ركمجة)

تستطيع شراء الطعام لي من هذا المطعم لو أحببت، بالرغم من أني لا أظن أن شرب الجعة مضر بالصحة أكثر من هذا الطعام الذي يطبخ في هذا المطعم. تكرر نفس السؤال لدى الموظفين:”ما الذي فعلت لاستحق هذا النوع من الحياة؟”

اتفقنا.

أخذت الصنية التي وضعت عليها الوجبتان، ثم توجهت حيث الطاولة.جلست، و جلس بجانبي  بكل صمت كأنه أحدنا، كأننا ابتعثنا جميعاً من قطر و نجحنا في امتحان الابتعاث ثم ركبنا على متن الطائرة و كان جيمس طوال هذا معنا حافياً. ثم انتبه جيمس للأفواه المفتوحة و أحدنا قد أصابته هستيريا ضحك و هو يسألني: هذا جاء مع الوجبة؟

“أوه.. عمتم مساءً جميعاً. لو سمحت هل مررت الكجب؟” لفظ العبارة بكل بساطة.  أعطاه أحدهما الكجب، لا أذكر من؟ لكن لا يهم الآن من مرر الكجب حينها، لكن أكاد أجازف بقولي أحمد و الذي كان يجلس أمامه.

أنت يا هذا؟ قال أحمد

“أنا؟” استعلمت بكل براءة.

“يعني من؟ الأخ الجالس بجانبك؟ هذه آخرتها جايب متشرد؟” أردت أن أجيب بسرعة فأقول: “بس باحبه قوي يابوي.” لكن، تذكرت أني في بلاد الحرية، و أي بأس من دعوة رجل إلى طاولتك.  

جيمس الحافي: أثمة مشكلة؟ أخذ يهمس في أذني.

حدقت فيه، و أنا أكاد لا أصدق أنه لا يجد في الموضوع أية غرابة! و ثم ما الذي دعاه أن يكلمني لمجرد معرفتي التي تطول عن معرفتهم به بقدر ما تعد به وجبة سريعة عوضاً عن سؤالهم هم ؟ التفت إليهم بكل أدب: عفواً إسمي جيمس. مسرور بلقائكم.

– أحمد

– مبارك  

 أرى أنكم تتحدثون العربية، فمن أي البلاد أنتم؟

هنا اجزمنا أن محدثنا مختلف عمن نلقاه كل يوم. إضافة لعدم انتعاله حذاءً، فهو يستطيع تمييز اللغات عن بعضها البعض و ليس كل الأمريكيون كذلك.عل هذا أكثر ما افتقده إلى يومنا هذا هو أنك لا تدري من تقابل هناك، و لا تستطيع أن تدرك مدى تنوع الآراء و اختلاف وجهات النظر بالشكل الذي يثري و لا يفلس، و يبني فلا يهدم.

أخذ أحمد على عاتقه الإجابة، فقال:

أه..

إحنا من، إحنا.. حقيقة لم يكن حاجز اللغة هو ما يعيق أحمد عن الإجابة بقدر ما هو حاجز غباء الأمريكان عن فهم الجغرافيا. كيف لنا أن نشرح أين تكمن قطر؟ أبسط الطرق كانت: هل تعرف الأهرامات؟ إذهب للشرق، قبل لا توصل إيران اتجه للجنوب و خل البحرين(عفواً مملكة البحرين) على يمينك ، بس.

لكنه قاطعنا هلّا ذكرتم الدولة؟

“لن تعرفها” قال مبارك.

جربني.. قالها بنبرة تحدي واضحة ، أوضحتها عيناه قبل فمه.

“قطر” لم يمهله مبارك و أعجله و لو كان جيمس يتحدث العربية لقال لنا مبارك “خله خله، قطر زين.”

هل أنتم جميعاً من الدوحة؟

لا، لست مجنوناً لكني أذكر أني نظرت إلى رجله مرةّ أخرى، لا أدري أي شيطان جعلني أنظر إلى رجله مرةً أخرى! يخرب بيتك يا جيمس كل هذا و أنت لا تنتعل حذاء؟

سكوت مطبق و لا نسمع أي شيء سوى جيمس الذي يمضغ في كل هدوء و هو ينظر إلى ما وراء النافذة. سرح و كأنه لم يصب دلو من الماء البارد على رؤوسنا! إنه يعرف الدوحة هذا المشرد في تكساس يعرف الدوحة.(لك أن تتصور أن يعرف رجل بحاله عاصمة قطر قبل قناة الجزيرة ،قبل الاستثمارات العالمية كهارودز و بورشه، قبل كأس العالم 2022 لذا دهشنا آنذاك و لا أحسبنا كنا سندهش اليوم إن عرفها أحدهم)

هل عاش في الدوحة؟

هل هو عميل للمكتب الاتحادي الفيدرالي؟ هل هو من جهاز المخابرات؟

لا، يمكن ساحر أو يتعامل مع الجن، و سأل قرينه قرين كل منا، و طبعاً قريني فضيحة!؟

هذه هي الأسئلة التي دارت بعقلي و أنا أنظر إليه ثم أعاود النظر لمبارك و أحمد.   

“هي.. هي أنت.” أخذ أحمد ينادي على جيمس الذي بدا لنا و كأنه استيقظ من حلم ما. كان أحمد على وشك أن يضرب كتف جيمس براحة يده تماماً كما كان يفعل من يبحث عن إرسال واضح و بث صافي بلا تشويش قبل عصور القنوات الفضائية.  

كيف تعرف الدوحة؟ سأل أحمد و هو ينظر إلي، حسباً منه أن الأمر برمته مقلباً دبرته، لكن اظنه نظر إلى فاهي الفاغر و بداخله قضمة من الهامبرغر فأزال هذا أي شك لديه.

أخذ ينتقي جيمس أية حبة من البطاطس المقلية، بعناية فائقة و هو ينظر إلى أحمد تارة و تارة إلى البطاطس يريد أن يحركها دون أن تتحرك القطعات الآخرى حولها، كأن الأمر لعبة ما.

و ما الغريب في أن أعرف الدوحة؟ أو المنامة؟ أو أبو ظبي و مسقط و الرياض و الكويت؟

هل ذهبت إلى أي منها؟ سأل مبارك الذي انتقل إليه هوس البطاطس فراح يبحث عن قطعة أخرى في صنيته يلتقطها دون تحريك القطع الأخرى.نظرت لمبارك و إلى جيمس تارة تباً أظن أن جنون جيمس من النوع المعدي!

لا، لم أذهب لأي منها. لكن لنسميها ثقافة عامة. لم هل يفزعكم أن يعرف أمريكي مثلي هذا؟

“لا، لا يا جيمس بالعكس.” استدركت إلى سفير النوايا الحسنة و مبعوث السلام و تقريب الديانات و الحضارات و الثقافات على السواء. نحن يا جيمس نحب الأمريكان، صدقني لا يوجد أي فرق بيننا و ينكم الله ربنا و ربكم لنا أعمالنا و لكم أعمالكم.

لكن ما شأن هذا بحديثنا؟ سألني و قد أنقذ قطعة من ركام البطاطس و أخذ يفحصها ثم تناولها و هو يبتسم.

انفجرا أحمد و مبارك بالضحك، صرخت:  كل واحد “يتلهي” في بطاطسه أنت و إياه.

ابتسمت في وجهه الضيف الحافي و قلت: أعذرهم، أول مرة يمر بنا شخص يعلم هذا القدر عن قطر، حدثني يا جيمس ما الذي تعرفه أيضاَ عن موطننا؟

“اللعنة! اللعنة تحركت القطعة” صرخ جيمس بصوت عال. ثم رمى بالقطعتين المتلامستين خارج الصنية. انتبه مبارك لقواعد اللعبة، لأنه اعتنقها كرياضة أولمبية.  

“بوادر جنون..” هذه الفكرة التي ظلت حبيسها آنذاك.

انتبه إلينا ثم قال: “قطر تمر بظروف صعبة الآن، نظراً للأحداث المؤخرة. لكن في غضون بضع سنوات..أنتم” هز رأسه و كأنه يتفق مع ما يحدثه عقله قبل أن يشاركنا رأيه. “أنتم ستحثون المال حثواً، ستصلون إلا مرحلة تحارون معها في كيفية صرف و استثمار كل هذا العائد…”

قاطعته: “لكن هناك من دول الخليج ما يفوقنا في إنتاج النفط.”

“صحيح، لكنه الغاز يا صاح.. الغاز. كميات هائلة من الطاقة النظيفة مقارنة بالنفط. سيكون دخل الفرد عندكم الأكبر في العالم. أنا أحسدكم من الآن”

لكن ماذا عن الإمارات؟ سأل مبارك. وهو يمارس الهواية الجديدة رياضة:إنقاذ البطاطس.  

“الإمارات، حالة شيقة بحق إن نظرت إلى الفارق في تنوع مصادر الدخل و الفرق الرهيب في دخل كل إمارة. هل تتنافس الأمارات فيما بينها أم تتعاون؟ هذا هو السؤال. ستكون الإمارات بلا شك ضمن الأوائل لكن ستكون قطر أشد ثراءً إن قسنا عدد السكان أيضاً. ليس هذا الاختبار يا صديقي، هل ستستطيعون أن تفعلوا شيئاً  ذا قيمة بهذا المال؟ هل تستطيعون أن تزاحموا الأمم في مجال ما؟ أقول مزاحمة لأن الصدارة لا تقدم بالدعوات المفتوحة، و لا بالأموال الطائلة. ستزاحمون، و من الطبيعي أن البعض سيحبكم و كثيراً غيرهم سيكرهونكم إما لحسد أو لأنكم ترمزون إلا شيء يثير حفيظة في نفوسهم، نعم شيء من الحسرة أن الفرصة كانت لديهم هم فلم يفعلوا ما تفعلونه أنتم. آه نعم سيدخل المال بين الأخوة نعم” ثم استطرد، “أخبرني كم يتواجد منكم في أمريكا؟”

“لا أدري، لكن عدد لا بأس به.” أجاب أحمد.

لا أظن أن “لا بأس به” مقياس لكم بعد اليوم إذا أردتم فعل شيء يتوافق مع حجم ثرواتكم، لكن من أنا كي أنصحكم؟

“ماذا عن السعودية؟”

“مايونيز.”

نظرنا إلى بعضنا أكيد يريد التلميح إلى شيء ما، يعني الوضع مضطرب مثلاً؟ ما الذي يعنيه المايونيز؟ هل هو مصطلح اقتصادي، مثلاً: آخر الشهر حالتي مايونيز؟ حتى تجرأ أحمد فسأله: “و المايونيز هذا كم عاماً سيظل؟”

“ها؟ هل أنت على ما يرام يا صاح؟”  سأل جيمس هل لديك مايونيز؟

دقيقة.. قال أحمد ثم نظر إلي، يا أخي ضيفك جيب له مايونيز يا أخي.  كنت تقول عن السعودية؟

ذهبت لا ألوي على شيء : لو سمحتي مايونيز.

“دعني أبحث، أعطني دقيقة.” كنت أراهم من بعيد و قد انفعل جيمس و هو يشرح و صاحباي لا يحركان ساكناً و هما أقرب الآن إلى التصديق بما قال جيمس الحافي نظراً لدقة المعلومات المتوفرة عن قطر. فمن باب أولى أنه ملم أيضاً بالشأن السعودي.

“حباً لله! هلا أسرعتم بالمايونيز” لم أرد أن يفتني أي شيء مما قال.

“أهلاً يا عزيزي، كيف لي بمساعدتك؟” جاءت سيدة سمراء في الخمسين من عمرها، تنظر إلي بكل ود.

“أريد مايونيز.مضى علي بضع دقائق و أنا انتظر.”

انحنت للأسفل “تفضل يا عزيزي”

بالرغم من الكثير من الوعود الكاذبة التي سمعتها من النساء، أنا حاقد و ناقم إلى يومنا هذا من تلك التي وعدتني بالمايونيز فذهبت و لم أرها بعد تلكم الليلة قط. المايونيز تضعينه جانياً لمن؟ لحبيبك، ها؟  رجعت إلى الطاولة “ها هل أبطأت؟”

“سلامات.” قال أحمد

“سلامة الأسفار. متى الوصول؟”  مبارك كان منزعجاً بعض الشيء.  

“أهلاً إسمي جيمس.”

“هاهاه، غاية في المرح يا جيمس تفضل خذ المايونيز.”

نظر إلي و هو يبتسم خجلاً و كأنه يحاول ألا يظهر أنه ببساطة لا يذكرني إطلاقاً الرجل نسى معرفته بي.أيا ناكر المعروف و لما تشبع بعد! عرفت لحظتها أني لا أوجد في أي مكان برأسه المزدحم بالمعلومات. هل أحسست حينها  بالذعر من جنونه أو الشفقة لنسيانه؟ لا أدري.  

“مرحباً، إسمي رائد.”

“هل أنت من قطر أيضاَ؟”

“نعم أنا من هناك.”

“آه، يا لك من محظوظ.”

“أحمد الله على ذلك.”

أما صاحباي فكانا تحت تأثير صدمة جواب “ماذا عن السعودية؟”

“أخبرني يا جيمس، كيف لرجل بذكائك أن ينتهي به المطاف ل..” سألته

حك رأسه نظر إلينا ثم أكمل: ” أن يستجدي مبتعثين ليشتروا له عشاءه؟”

“لم أقصد..”

“لا عليك، جل ما نمضيه من أعمارنا ساعات رتيبة مملة تستطيع ألا تعيرها أي انتباه كأن تكون خلف المقود ثم تفاجأ بأنك وصلت البيت و تعجب كيف وصلت دون أن تذكر كيف مضى الوقت أثناء الطريق. لكن هنك لحظات تغير مجرى المرء منا إلى الأبد، لحظات أراهنك أنها لن تفارقك إما تبعث الساعدة و الدفء في قلبك إلى آخر أيامك أو تصير سوطاً يمتد ليجلدك ما امتد الزمان و تظل تقاسي ويلاتها. لحظة إما أن ترقى بها إلى أبعد من أحلامك أو تهوي من بعدها إلى أسوأ كوابيسك. و قد جاءت هذه اللحظة حين كنت شاباً بعمركم، عرفتها، عانقتها رأيت الربح و الخسارة بها، عرفت أني أخاطر لكني أقدمت عليها و ها أنذا.

“هل أنت نادم ؟”

أنا نادم على أني أخطأت في طريقة تصرفي أثناء هذه اللحظة لا بمعرفتها. هل يملك الرجل منا إلا أن يفعل شيء تجاه مثل هذه اللحظات؟ قد تكون امرأة فاتنة تود معرفتها و أنت تدري أنك لا تجتمع بها أبداً بعد ذاك. قد تكون فرصة تصبح معها من أقطاب المال أو من بعدها تستجدي عطف المبتعثين ليطعموك.

“علك لم تكن جاهزاً بعد؟”

هل تحسب أن هذه الفرص و تلكم اللحظات تنتظر حتى تستجمع كامل همتك و كل طاقتك؟ هل تحسب المشروع التجاري ينتظر أن تجمع المال لتغذيه به؟أو أن الفاتنة التي مررت بها ستنتظر حتى تلبس أحسن ثيابك لتقع في غرامك؟ ستذهب الفرصة لمن هو أكثر استعداداً منك.

“النساء، النساء دائماً هكذا”  قال أحمد و هو يلوح بيده.

ضحك جيمس: “نعم النساء هكذا كالفرص تماماً. لكن ليس هذا أسوأ من أن تكون أعمى فتمر بك و أنت تحسبها إحدى هذه الأوقات التي مرت دون أن تتعرف عليها. أوقات عادية، تماماً كجلستنا هذه.”

“لا أظن أننا سننسى هذه الجلسة.” علق مبارك.

“شكراً لهذه اللافتة منك،عموماً يا سادة هؤلاء هم صحبي الآن قد أقبلوا، شكراً لكم و لهذه الوجبة. لا تعيروا أي مما قلت أي نوع من الاهتمام. أتمنى لكم النجاح. أنا قادم أنا قادم”

 

خرج و أثناء خروجه لاحظت شيئاً غريباً. أغرب من أن لم يكن هناك أحد على الاطلاق في الشارع، لم يكن هناك أي أحد.. أحد نراه على الأقل.  كان جيمس يلبس حذاءً! هل كان يلبس واحداً منذ البداية؟ من يدري؟ أو أنني أجللته فلم أرد أن أراه ناقصاً فراح خيالي يكسوه ما نزع الزمان منه؟  

 

تمت.

 

 

 

 

 

 

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. Dots...

    2011/05/09 - 10:27 ص

    It put a smile on my face .. And trust me . It’s quite difficult to do that today. 😉

    Good sense of humor, loved the description, political analysis, and the ending was very nicely written. When is “chapter 2” going to be posted?

  2. مبارك

    2011/05/09 - 12:03 م

    اشكرك على السرد الشيق لموقف اثر فينا احنا الثلاثة الى اليوم. شعور جميل ان تقرأ ذاكرتك بل و ترى ان الكاتب اضاف كثير من الالوان و الأصوات التي قد نسيتها أو لم آخذ الجهد لتتذكرها. باختصار استطعت بعد مرور أكثر من 12 سنة ان تعيدني لأعيش لحظات المرح و الفضول و الانبهار كما عشتها في ذات اليوم بالضبط كاني دخلت في آلة زمن ترجعني الى جاسم في الصندوق في أوستن مع الصحبة الطيبة.

    اشكرك جزيل الشكر.

  3. إيمان العبدان

    2011/05/09 - 08:09 م

    استمتعت بقراءة التدوينة ، خصوصاً المقاطع التالية :

    1- راق لي تعبيره،” هل أملك ما استطيع الاستغناء عنه؟” لأنه لو وجد هذا الشيء الذي أملكه و لا استطيع الاستغناء عنه فهذا شيء يملكني و لا أملكه. ثم إني نصبت نفسي حينها مسؤول عن حياته الآخروية سألته: فيم تصرف ما أعطيك؟

    2- جل ما نمضيه من أعمارنا ساعات رتيبة مملة تستطيع ألا تعيرها أي انتباه كأن تكون خلف المقود ثم تفاجأ بأنك وصلت البيت و تعجب كيف وصلت دون أن تذكر كيف مضى الوقت أثناء الطريق. لكن هنك لحظات تغير مجرى المرء منا إلى الأبد، لحظات أراهنك أنها لن تفارقك إما تبعث الساعدة و الدفء في قلبك إلى آخر أيامك أو تصير سوطاً يمتد ليجلدك ما امتد الزمان و تظل تقاسي ويلاتها. لحظة إما أن ترقى بها إلى أبعد من أحلامك أو تهوي من بعدها إلى أسوأ كوابيسك.

    أحب قراءة تدوينات تجعل عقلي يعمل ليومين بعدها تفسيراً وتأويلاً وتحليلاً. شكراً رائد بعدد كلمات التدوينة

  4. Mariam

    2011/05/11 - 08:47 م

    Nothing can be as haunting as realizing one had obliviously passed an opportunity. At least then, the answer to how they got there is choice not luck.

    Thank you for keeping James alive for so long and introducing him with the most vivid details of your encounter. Reminds me of similar individuals who possess knowledge, wisdom and bad fortune. Like teachers, they earn a kind of respect, believing them to be idols of perfection and virtue, seeing the only detail that matters; a beautiful mind.

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات