اعتذرت و خجلت، لأنها اليوم تضع مساحيق على وجهها بعد خمس و عشرين سنة. كانت تبعد وجهها بعفوية من الريشة التي كانت أشد عليها من سكين يحفر وجهها و المزينة تزفر ضجراً. بكت أكثر من مرة فانسكب دمعها أسوداً، لم يجهل الدمع طريقه بل انحدر كالسيل و هي صامته تعتذر من المزينة و تحاول أن تمسح ما أفسد دمعها. أحست أنها نكثت عهد آلت أن تفارق الدنيا قبل أن تخلفه.
أم عبد الله تأخرنا.
أخرتينا يا أم عبد الله.
يا فلانة، اليوم يوم فرح.
كانت هذه الجمل تنهال على مسمعها دونما ترتيب من قبل اخواتها. حزينة هي لفقده، كم أرادت لو كان بجانبها ليرى حشاشة كبديهما في أحلى ليالي عمره يزف لعروسه. تذكرته بجلاء، تذكرت مشاكسته و مداعبته لعبد الله، تذكرت حين يفرغ من العمل فيستمع لعبدالله و أحلامه بأن يكون رجل إطفاء أو رائد فضاء. تذكرت أنها ظنت حين أُعلمت بوفاته كيف أنها ظنت أن لن تحي يوماً من بعده و ها هي لا زالت على قيد الحياة بعد خمس و عشرين سنة. لأن علمتها الحياة درساً فهو أن الدنيا ماضية شاء الناس أم أبوا.
“مبروك ألف مبروك” قالت سيدة في الخمسين و قد بالغت في وضع مساحيق، حتى سحقت أي معالم جمال كان بها.كيف وصلت إلى صالة الأفراح؟ يحدث أحياناً أن تغفو في ذكرياتها و لا تسيقظ منها إلا وهي منتبهة لما حولها فجأة. علها انغمست في الذكريات هذه المرة و لم تنتبه إلا و هي واقفة تحيي ضيفاتها.
على الرغم من تماسكها، إلى أن لسانها انعقد و أخذت تنظر إلى أخواتها راجية أن تسعفها واحدة منهن أمام امرأة راحت تذكرها (به) و تمن عليها أنها حضرت زفاف زوجها وها هي اليوم تحضر زفاف ولدها. “الله يرحمه” بهذا ختمت السيدة بعد أن نهشت في جسد الذكريات ما شاءت. كم أرادت أن تصرخ في وجهها : ويحك هل نسيته ذات يوم كي أذكره؟ لكنها آثرت الصمت، و لزمته و اكتفت من الحديث بالحد الذي لا تتعداه إلا عدم اللباقة و من السعادة بابتسامة إلى الدرجة التي تكف الناس عن القيل و القال .
حتى إذا زف ولدها انتبهت إلى درجة الشبه بينهما، في ذاكم “البشت” نفس إطلالته، نفس الابتسامة، نفس النظرة بل و نفس الخجل الذي كان يعتريه. تهللت لقدومه ” هذي ليلة عمره” راحت تذكر نفسها، ضمها إليه، لامت نفسها لوهلة لأنها ظنت أنها قد تموت فرحاً و قد انتهت رسالتها فتلتقي به.
تعبت حين شارف الحفل على الانتهاء، حال باقي الأمهات ليلة عرس أبنائهن لكن ضاعف ذلك مقاومتها للبكاء، صحيح أن عبد الله قد دخل عليها أكثر من مرة فكفكفت دموعها، لكن لم ترد أن تبدو علي أي قدر من الضعف، خاصة و حين غدت أباً له و أماً.
ثم آن الحفل قد مضى و تعللت هي بالمرض فآثرت الرجوع مع والدتها فقالت و هي تصطحبها “يمه، معليه أبات عندك الليلة؟”
“أكيد يا بنيتي.” خاطبت والدتها التي ما عاد يسعفها بصرها سوى على رؤية أشباح و أطياف لا تميز من بينها أحداً، لكن سمعها لا يزال متقداً و قلبها لا زال يسعفها لتعلم أي من أبناءها يقبل عليها و لأي حاجة. دخلن البيت، و ما هي إلا نصف ساعة أو أقرب حتى أقبلت على والدتها و هي جالسة على الكرسي بيدها مسبحة في غرفتها التي تؤثر الظلام على النور ارتجف صوتها “يمه..” مدت العجوز يدها إلى حيث صوت ابنتها و كأنها تشير إليها أن تقبل فتضع رأسها في حجر والدتها ففعلت و هي جالسة على الأرض و أخذت بالبكاء، و يد والدتها تربت على رأسها قائلةً : “بس..بس.. يا بنيتي.” تهدأ من روعها ثم تتبعها ب “الله يغفر لهم و يرحمهم.”
خيال؟ أصدقكم أني بخست ثمن الواقع، عل أبلغ ما قيل في وفاء هذه الأرملة ما قالت جدتي و هي تذرف الدمع حين سمعت بهذا الموقف قائلة: ” مسكينة فلانة، كل قبر و له شاهد و شاهد فلان هي، شاهد يمشي على الأرض يذكر بصاحبه”
Tweets that mention مكياج لليلة واحدة فقط. « كــــــــــــــــلمتكم -- Topsy.com
2011/02/14 - 01:39 ص
[…] This post was mentioned on Twitter by Noof , Raed Al-Emadi. Raed Al-Emadi said: جديد كلمتكم: مكياج لليلة واحدة فقط http://www.kilmt.com/?p=1132 إن أعجبتك فارفق تعليقاً وانشر على تويتر بقي أن تسامحوني ليس عندي وقت للتنقيح […]
Dots...
2011/02/17 - 10:28 م
Speechless
Loved how u described the emotions and not just the characters..
One of your lovely pieces
Enjoyed it ..
وربي يغفرلهم ولامواتنا اجمعين
أم عزّان
2011/02/20 - 05:20 م
جميل التعبير .. والإحساس في التدوينة .. واتفق معك ان القصة ليست خيالية وان هناك من لم يطيق فقدان أحباءوه ويعيش على ذكراهم ..
s3ood
2011/02/23 - 08:25 م
amazing story
i demand a novel for next time
:))
Ra-1
2011/03/08 - 01:20 م
تعور القلب
الله يصبرها على فراقه