حبا الله هذا البلد بالهمة و العزم، و هيأ له الأسباب ليبلغ بهمته و عزمه إلى حيث أراد. فكانت ثرواته سبباً لا غاية، ينشد بها ما لا يستطيع المال شراءه و ذلك هو المجد. إذ يستطيع الثري أن يشتري و ينتقي من المدح ما شاء، لكن أبلغ الأدباء و أشعر الشعراء لا يستطيع أن يقيم له حفنة ً من المجد ما لم يكن هو طالبه.
أذكر ذات يوم، إذ حدثني غريب عن هذه الأرض فقال: “عجيب أمركم، لأن الأمم لها تاريخها الذي يتمنى الكثيرون منا لو تأتى لهم أن يعيشوا تلكم اللحظات و حظيظون أنتم إذ أنكم تصنعون التاريخ الآن بل تخلطونه بالمستقبل و لمّا يأتي بعد.” تذكرت ما قال و قد حبسنا أنفاسنا قبيل الإعلان عن نتائج التصويت لاستضافة كأس العالم ٢٠٢٢ و هاجس واحد ظل يأسر كل مشاهد: هل نفوز “الآن”؟ فكانت الإجابة بأن القوم أسقط في يدهم، إذ كان السؤال بصدق: “إن لم يكن الآن، فمتى؟” عندها علم الناس بأننا ساعون حتما، لا يثنينا ردهم فإن لم يكن اليوم فالغد و إن لم يكن الغد فبعد غد إذ أن إرادة الأمم تقوى مع الأيام لتختلط عزائم الأولين بهمم المقبلين.
رأيت الناس بعد الإعلان عن نتائج استضافة كأس العالم و قد صار بعضهم يسأل الآخر: كم عمرك حينها؟ حتى وقف أمامي طفل فقال: عمي رائد كم بيصير عمرك ٢٠٢٢؟ فابتسمت قائلا: يا ابن أخي سل: ما أنا فاعل بحلول ٢٠٢٢؟ ثم هنأني أحد أصدقائي من دول المنطقة فقال: ” هذا كأس العالم و بتستضيفونه شتبون بعد؟”
فقلت: بقت بعد و من بعدها بعد يا سعد.لا زال هناك جوائز يقيم لها القوم وزنا لم نحزها بعد كجائزتي نوبل و أوسكار مثلاً. و مناصب يعظمها آخرون لم نتقلدها بعد كمنصب سكرتير هيئة الأمم المتحدة، و أمجاد لم يُطرق بعد بابها و “حنّا لها” كما نقول، و نحن في هذا كله لا نسأل: لم ؟ بل: لم لا؟
ثم إننا لا نغفل من أن هناك الناقد، والمادح أقول لهما على السواء: “على رسلكما.” فإن نقد الشوك لا يزيله، ثم إن الشوك لا يمنعنا من المضي إلى وجهة قصدناها، و لمّا نبلغ بعد وجهتنا فنفرح بما بلغنا و نرتضي مقعدنا، فنمدح و نطرب غافلين عما يتطلب كل أمر نحققه. أي ضرر في أن نعتدل؟ فننقد بقدر ما نصحح به الوجهة لا أن نخالف إلى غيرها بسبب الخوف من العقبات أو الجهل بما نقصد. و أن نمدح بقدر ما يبث العزم في النفوس فلا نرض بما حققنا بعد، بل يدفعنا نجاحنا إلى خوض تجارب أخرى رغبة في نيل شرف آخر لا أن نتقاعس خشيةً من أن ينسب لنا الفشل.
أيها الناقد و أيها المادح، عوّدا أنفسكما على كلمة “بالرغم” استهلا بها النقد أو المدح فقولا مثلاً “بالرغم من من تقصيرنا في كذا فنحن أمة فتية إن قسنا عمرنا بعمر أمة كالصين” أو ” بالرغم من تحقيقنا كذا و كذا فإننا لا زلنا نطمح إلى كذا و كذا” لكن لنحمد و نمدح. نحمد الله على ما هيأ لنا من كل شيء و نمدح من يقود هذا الركب إلى أرض الأمجاد بقدر ما أن نقول: شكراً و كفو. فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله.
ختاماً:
(وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.) اللهم سدد الوجهة، و بارك لنا في الخطوة، اقل العثرات و اغفر الزلات و بلّغنا بسلام إلى حيث ننشد. و احفظ لنا هذا الوطن الذي بات يحبس الأنفاس في صدور محبيه فعلاً و مجازاً.
و رحم الله من قال آمين.
مواطن قطري.
اسامه العسيري
2010/12/14 - 10:57 ص
أشكرك أخي رائد على المقال الرائع، وأعتبره مقال… توقفت عن سؤال “لِمَ؟” وسؤال “لِمَ لا؟” وأصبح سؤالي دائماً “متى؟”
متى يحوز قطري على جائزة نوبل؟ متى يحوز قطري على جائزة أوسكار؟ متى يتقلد قطري منصب سكرتير هيئة الأمم المتحدة؟ متى؟ متى؟ متى؟
ولذلك الهدف نفكر كيف يمكننا ذلك؟ وكيف نهيء أنفسنا واخوتنا وأخواتنا وأبناؤنا وبناتنا لتلك التحديات التي كانت تبدو مستحيلة، ولكنها بعد الثاني من ديسمبر أصبحت ليست فقط ممكنة، ولكن عدم الخوض فيها يعتبر نقص فينا.
أخوكم،
أسامه
مبارك
2010/12/14 - 11:16 ص
اصبت أخوي أسامة وصدق الشاعر
عيب على اللي يتقي عقب ما بان…وعيب طمان النفس عقب ارتفاعه
Um 3azzan
2010/12/15 - 09:33 ص
فعلاً أثبتت قطر أنه بإمكاننا كعرب أن نحرز أي تقدم نصبو إليه ولكن علينا أن ننتدرب على طريقة تفكير جديدة بعيدة عن:
1- التفكير السلبي الذي يضع نصب عينيه “لماذا لا يمكننا الوصول” عوضاً عن “كيف يمككنا الوصول”
2- تكرار الذم يجعلنا نقف أين نحن (بل أحياناً ننرجع للوراء) بدل أننتقدم
3- الحسد ، والذي يجعلنا ننتقص من نجاح الأخرين بدل أن يدفعنا نجاحهم أن نطمح لنجاح مماثل
مبروك وبالتوفيق إلى الأكبر من هذا النجاح