تفضل الباقي: 3 ريال و علكة.

الحيرة تملء عقلي، و الثلاث ورقات بجانب العلكة تملء كفي و أنا استمع لهذين الإثنين بلسان الملبارية و الفلبيني بجانبي يستعطفني قائلاً :

My friend accept the chewing gum please ok.

فاصل: حين يدعوك الشرقي
My friend

فأنت أبعد ما تكون من الصديق.

و لنعد بالزمن للوراء لدقائق مضت،

دخلت بقالةً على غير هدى ابتغي شيئاً، قال لي البائع خلف الطاولة و أوراق علب السجائر أمامه يسجل بها كمصرفي بارع ما باع، و البضائع قد غشت الجدار كله من خلفه و بجانبه:

سته ريال نس.

“تفضل” ناولته ورقة من فئة العشرة ريال.

فناولني ثلاث ريالات و قطعة من لبان، لو أرغمت على مضغها لما فعلت و بعد تفحص سريع جزمت بأن تصديرها قد تم من غوانتانمو أو أبو غريب! أقبل البائع على فلبيني كان خلفي، يفحصه بكل ريبة و يلحظ جيوبه ثم أعلمه بحساب مشترياته.

فقلت: يا رفيق، لم أطلب علكة.

“هذا في نس.” قال هذه العبارة بكل بديهية و بكل رتابة دون أن ينظر إلي و هو يكمل عملية البيع للفلبيني.

فقلت: و من قال لك أني بحاجة إلى العلكة؟ و ما عساني فاعل بها؟ أتصور معاها؟ هل تراني أمضغ دون إرادة؟ لست من المجترات!

ما في نس. (ملاحظة: حجة البائع الأولى)

هذه مشكلتك. أسقط النصف الآخر. و لن ينقص منك شيء. أتدري إن لم يكن لنا سوى المقايضة فهل لي أن أقايضك بعلكة في سيارتي مقابل نصفك هذا؟

سنو هاي يا مدير، سنو هاي..؟ (ملاحظة: توكيد لفظي يفيد الاستغراب و التعجب)

لم علي أن أرضى بمقايضتك لي و لا تقبل أنت مقايضتي لك؟

أيوو.. (و أيو تقوم مقام “وليــــن..” بالخليجية و ” يا دي النيلة” بالمصرية) سيفو الله.. أو سيفو الله. (و الأو هنا أسلوب نداء ملباري، بمعنى أقبل يا فلان)

ظهر لي رجل من دهليز المعلبات بجانب حي الصابون و الشامبوات رجل لو قيل لي صفه بكلمة ، لما زدت و لا ترددت عن وصفه: بالمحتال. جعل البائع يحدث سيف الله بالقصة و أحسسته في هذا كله يكيل لي الشتائم.

ستسألني : ويحك أتتحدث الملبارية؟

أقول : لا، لكنه نفس الشعور المركب بداخلك حين تلتفت إلى أحد يلحظك من بين خلق الله قاطبة في سوق ما.. عل هذين الشعورين الذين ورثناهما من عصور ما قبل التاريخ هما ما دفعاني لهذا، عموماً سيف الله لم يكن يزد على : آه..آه. ثم نظر إلى بتملق فقال:

مديــــر، نس ريال مافي داخل هني هذا نفر فكر أنتا يبي علوج. (ملاحظة: حجة سيف الله.)

لا، لا أريد العلكة أريد نصف ريال حديدي منقوش عليه ختم الدولة. أي سبات كنت أغط فيه حين طلع علينا مرسوم يقضي بالتعامل بالعلك إلى جانب القروش المعدنية؟ من فرض هذ القانون؟

بس، أنتا شنو يبي يسوي في نس ريال؟ (ملاحظة : حجة سيف الله الثانية)

سأرميه في الهواء لأرى أصورة تقلب أم كتابة.

ثم علا حديث سيف الله للبائع و كأنه يلومه، في هذه الأثناء نظر إلي الفلبيني:

My friend accept the chewing gum please ok?

هذا ما قال أما ما رمى إليه فكان: يا أخي فكنا! أرحمنا.. ورانا أشغال أنت و النص ريال حقك يا …

ما في مشكل أنتا يروه الحين مدير بعدين يجي.. أنا يجيب نس ريال مال إنتا أوكيه؟(ملاحظة: الخيار الذي يعرضه سيف الله)

لا، لأني لست بسالك هذا الطريق مرةً أخرى.

قال ضجراً : رجع سمان.. خلاس روه سوبرماركت ثاني. (ملاحظة: الواقع الذي فرضه علي سيف الله بداخل البقالة)

أسقط في يدي، أنا محتاج لهذا الشيء الآن، أنا لا أريد العلكة و لست ماضغها. أنا لا أحتاج لنصف ريال، و لن تتغير حياتي جذرياً متى ما فرطت فيه. لكن.. لكن من حقي المطالبة به، أنا أريده لكني عاجز عن الحصول عليه. سترمونني بالبخل، أو تعيرونني بالجهل و أيم الله ما كنت بخيلا ذات يوم و لا جاهلا لكني لم أرد أن تفرض العلكة علي حين أملك حق الاختيار.

أريد أن أقرر بنفسي، لست متعنتاً أو متبجحاً! كثيراً ما رضيت بالأنصاف المقايضة بالعلكة أو الحلوى لكني اليوم أريد النصف و لا أريد العلكة. أريد أن يكون اختياري ملء إرادتي، أن أختار العلكة لا أن تعطى لي، فهل هذا كثير على من يملك النصف؟

لكن في آخر المطاف انتصر سيف الله، تنازلت عن النصف راضخاً للحاجة و رضيت بالعلكة التي بقيت لتذكرني أنها انتصرت رغم رداءة صنعها، تذكرني أنها الواقع المفروض الذي ينبغي لي أن أتعايش معه.

و أسفي لكثير من الأنصاف التي تنازلت عنها من بعد ذلك لا لعدم قناعتي، أو لقلة حيلتي أو لانطلاء حيل أمثال سيف الله علي، لكن تنازلت عنها راغباً في النصف الآخر.

رائد

صاحب علوج بو نص.

FacebookTwitterGoogle+WhatsApp
  1. قارئة

    2010/05/07 - 07:42 م

    أعجبني الأسلوب في الطرح ، وأنصحك أخي رائد املأ جيبك بالنصوص
    لتتمكن من استرداد نصوصك منهم وإلا فاقبل بالعلكة .. يقال إنها مفيدة
    للفك وربما لتحريك سكون الأدمغة 0

  2. Coffee Mug

    2010/05/08 - 04:06 ص

    عجيبة هي الدنيا
    تفرض الإهانة لكل (طالب)!
    حتى إن كنت طالب ( للنس ).

    نصيحة من ديار العلوج:
    هنا؛ لاحظت الأسنان الذهبية للمكسيكان, مصاحبة لمن ينهب ويسلب الــ penny

    حتى من دون عبارة:
    Keep the change
    فصرت (نشبة بحلوقهم), فأسترديت الpenny ومعها ابتسامة ذهبية :)

  3. Haya

    2010/05/08 - 05:16 م

    cannot beleive you gave in that easy! It’s all about the principle, free will.. yalla, what are the little victories for Saif Allah compared to the bigger victory of telling us the story.. we won’t shop there anymore

  4. Um3azzan

    2010/05/09 - 07:20 ص

    المشكلة ليست في المحل و لكن فينا نحن .. فكلما قبلنا العلكة كلما اكدنا للبقال ان يستمر .. يجب علينا فرض خدمة العملاء حتى في هذه البقلات ( اقول هذا وانا اول من يقبل العلكة و ما اتكلم حتى لا اصدع راسي)

  5. layal

    2010/05/09 - 08:30 م

    جان شريت لك قوطي بيبسي او عصير بريال ونص وعطيتهم ريال والعلوج معاه

    بس، أنتا شنو يبي يسوي في نس ريال؟
    سؤال نرفوزي – نصي وانا حر فيه
    سؤال اقبح من الذنب

  6. Fahad

    2010/05/13 - 04:58 ص

    I was disappointed by the ending.

    I’ve been in your place countless times but I was surprised by the nerve of the guy telling you to “shop elsewhere”.. I never would have expected such a response and if I was there I would have returned everything and left.. Just giving up after such words will only make these guys insist on what they do.. and nothing in a store is worth somebody forcing his word on me, unless somebody was dying or something.

    Being stubborn might be considered a bad trait, but I could totally justify it in this case.

    Oh, and you’d be surprised that they always *do* have 50 Dirham coins hidden somewhere in the store. I’ve seen it magically appear so many times it isn’t funny anymore =/

  7. Raed

    2010/05/15 - 11:19 م

    It’s battles that we pick to fight, if I charged at everyone that did call upong me to go head to head Fahad, I would have been long in my grave.

أضف تعليقك

*

أهم التدوينات