كلمتكم
هذا ما يقال دوما عند رؤية صورة معبرة أو مشهد مؤثر، وقد يبدو المثل بليغاً للوهلة الأولى، لكن لا يبدو الأمر كذلك بعد التدقيق و التمحيص. فالصورة تعتمد على حاسة واحدة هي النظر، أما الكلمة فتعتمد على السمع و البصر بالإضافة إلى النطق، وما ينسل للروح عبر أكثر من منفذ أعقد في تركيبه مما نفذ إليها عبر حاسة واحدة. وهل أتي قدماء مصر إلا من حيث أعينهم فخيلت لهم الحبال و العصي أفاع وثعابين؟(1) و على النقيض كلام يتهاوى أرباب البيان أمامه اذعاناً ، بل يمتدحونه بالرغم عن معارضتهم لما يدعو إليه. (2)
ثم إن الشخص لينظر في الصورة فتتمثل له كلمات متفرقة (حب،كره، حزن) لكنها عامةً في مجملها، متناثرة مبعثرة في مضمونها) و الكلام إن أحسن رصه فاجتمع قليله أعطى أكثر من صورة متحركة لا ثابتة كقول عمرو بن كلثوم :
كَأَنَّ سُيُـوْفَنَا منَّـا ومنْهُــم
أو إلى أبعد من ذلك فأعطى صورة لما يجول بخاطر المرء و ليست الصور كفيلة بذلك كزعم المجنون :
كأنما قلبي في مخالب طائر
وهل غاب عن ذهن من تشدق بهذا المثل أن أغلب العشاق استودعوا الشعر قلوبهم و ندر من استودع الصور؟ و العلم بتجاربه وشتى فروعه و أصوله لم يستعض بالصور عن الكلمات ليعبر عن نظرياته و دلالاته بل استعان بها مسانداً للكلام مؤيداً لمعناه و مراده.
و ملوك عصور النهضة من بني الأحمر المعاصرين لأرباب الرسم والتصوير أمثال ليوناردو دي فينشي و مايكل أنجلوا بعثوا كغيرهم ممن سبقهم من الملوك كتباً تبين مرادهم بكلمات فلم يخبرنا التاريخ بأن أحدهم أرسل لوحة فنية يصور معركة لينذر عدواً عوضاً عن التهديد و الوعيد بالكلمات؟ (3) حتى الحركات الثورية لم تستمد نارها يوماً سوى من خطباء يلهبون قلوب الجماهير و يحركونها بأفواههم. ثم، تأمل الكتب السماوية أكان فيها من الرسم شيء؟ ألم يتمم ربنا جميع الرسالات بمخاطبة البشرية باللغة العربية؟ ولو شاء ربنا لأنزل صوراً لا سوراً من القرآن الكريم. (4)
أرجو أن تكون “الصورة” قد اتضحت الآن ، لأن من البيان سحر لا تستطيع الصور عزيزي القاريء تصويره. أما من كان من محبي التصوير ولم يتفق مع ما ذكرت، فأعطيه من الكاميرات ما شاء ومن المشاهد التي يستطيع تصويرها أو رسمها ما تمنى على أن يأتي بصورة تضاهي قوله تعالى : وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا.
لتعلموا أن من الكلمات ما يساوي آلاف الصور.
====================
* A picture is worth a thousand words
1- إشارة إلى قوله تعالى “قَالَ أَلْقُواْ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاؤُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ”
2- ما نسب إلى سيد من أسياد قريش (الوليد بن المغيرة) حين وصف القرآن :” إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وإنه يعلو ولا يُعلى عليه”
3- ومثال ذلك ما أرسل خليفة المسلمين هارون إلى نقفور “من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم .. إن الجواب ما ترى لا ما تسمع ! والسلام على من اتبع الهدى”
4- الرجاء عدم التكفير! لحد ينشب لي يقول ” استغفر الله العظيم! شوف القطري الكافر يبغى القرآن ينزل صور”
noonamajnoona
2007/09/02 - 10:00 م
هناك من الكلمات ما تغني عن الصور…!!
و هناك من الصور ما يغني عن الاف الكلمات…!!
وهناك من لا يستطيع التعبير بالكلمات …ويستعيض عنها بالصور ….
😉
موضوع جميل استازنا…..
Arabian Princess
2007/09/02 - 11:35 م
صدقت .. وأنا من أنصار الكلام .. فما أسمعه وأقرأه يؤثر في أكثر مما أراه .. ولكن ما رأيك أنه أحياناً تمتزج الحروف مع الصورة وتكون معبرة جداً؟
(زور مدونتي إلي أبداً ما تزورها لتعرف ما أعني 😉 )
إبراهيم عبد الغني
2007/09/03 - 04:24 م
الصوره هى لغة من ملّ من الكلام .
و الكلام هو لغة من أذهله ما رأى بعينيه من صور .
و الله أعلم
بحرينية
2007/09/04 - 12:51 ص
لوووووووول جوف القطري الكافر يبي القرآن ينزل صور
>>> ملاحظة كلش ما توقعت انها تنكتب , بس فعلا في ناس تفكر بهذه الطريقة
A picture is worth a thousand words*
بصراحة قبل ان اقرا هذا البوست اخبرت انفسي اننا سوف نبدأ بقراءة بوست لا يخلو من التفلسف
و لكنني اقول بعد قرائتي لما كتب انني كنت غافلة بحق عن الاسباب التي تدحض حقيقة ان الصورة ابلغ من الف كلمة
الفرق بين الكلمة و الصورة ان الكلمة بعد قراءتها تفتح لك باب واسع لتخيلها و الخيال لين افتحت ابوابه شنو اللي يصكها ؟!
اما الصورة فهي تحصرك في نطاق اضيق بكثير من الكلمة , ليش ؟! لانه اللي تجوفه اهو بس اللي تقدر تتكلم عنه الصورة , بأستثناء الفن التشكيلي يمكن ؟!
شكرا لك يا رائد على البوست
ابدعت حقيقتن
عمّار توّك
2007/09/04 - 05:28 ص
كلمات رائعة أشكرك عليها …
نور الزهراء / الدوحة
2007/09/06 - 11:29 ص
قد تغني الكلمة عن الصور ..
و قد تغني الصورة أيضاً عن الكلم ، و تبقى تلك مسألة نسبية متعلقة حسب ما يعرض للعوام و ما يجب أن يبرز ساعتها .
فقد تكون للكلمة جولتها و للصورة صولتها كلّ على حسب و هلم جرا .
أما نزول القرآن الكريم بالسور لا بالصور فلأنها قد تأوّل بتأويلات شتى كل على هواه أما الكلمة فتكون واضحة جلية لا تقبل تأويلات هذا و ذاك و الدخول في هرج و مرج فلا يتقولون عليه ببعض الأقاويل الداحضة .. لأنها حاسمة و اضحة بالكلمة و تميز بين الحق و الباطل .
دمتَ في سماء الكلم ناطقاً و بالحرف معبراً لا بالصور
أختكم
layal
2007/09/06 - 11:46 ص
اتفق واختلف معاك
هنك صور كانت كافيه لأظهار معانات شعوب بأكملها
بعيدا عن نشرات الاخبار المطوله وجاء فلان وقال علان
اذكر علي سبيل المثال صورت شربات الافغانيه /الفتاة الفيتنامية المحترقة بالنابالم
واخرها مجاعة جنوب السودان والطير بأنتظار موت الطفل ليلتهمه
وقد يكون التقدم الحديث نسبيا لثقافه الصوره المتقنه الناتج من التطور التكنولوجي هو ما اخر انتشارها وتأثيرها
لا يمكننا انكار ان العين هي حبيبتان الانسان (وذلك ما جاء بحديث شريف) وفقده لهما لا يمكن مقارنته بالصم والبكم -فالانسان يتعاطف اكثر مع الكفيف منه مع الابكم -وجهت نظر
لكني لا انكر مقوله ان للبيان لسحرا
وان للكلام نصل احد من نصل السيوف
وبالكلام واللسان قد يرفع الانسان الي العالي او ينزل لاسفل السافلين
♥whatever♥
2007/09/06 - 03:36 م
ارى ان في كلماتك جزء من الصحه وإن أختلفت معك جزئيا.. فهناك صور ومشاهد عندماتراها ينعقد لسانك ويقتصر تفكيرك عليها فتصبح “أخرساً وقلبك مليان كلام”
وقد تمر بحالة لا يعود الكلام فيها له اهمية فتأخذ قلما او ريشة وتنهمر خربشاتك على ورقة والنتيجة انك ترجمة ماتشعر به دون ان تبحث عن المعاني وان تنتقي الكلمات المناسبة.. فربما هناك بعض اللحظات التي لا ينفع فيها الكلام كالمرة التي صورت فيها حديقة الوالده (حفظها الله) فلو انك وصفتها او كتبة عنها انشاء فلن تستطيع وصف ولو جزء بسيط من روعتها لذالك ففي بعض الأحيان الصور تغني عن الف كلمه..وبعض الأحيان الكلمة تغني عن الف صوره..